نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

Untitled 1

معنى المثاني

الموضوع باختصار ...

القرآن مثاني، أي أن المعنى الذي في آية أو بضع آيات، يُثنّى (يُكرّر، يُعاد، يُردد) مرة ثانية (وثالثة ورابعة ...) من خلال آية أو آيات أخرى باستخدام كلمات أخرى وصورة أخرى وزاوية أخرى ولون آخر. وسبب هذه المثاني أو التكريرات هو توضيح وشرح معنى الآية بأكثر من طريقة وأسلوب وصورة وتسليط الضوء عليه بأكثر من زاوية وجهة حتى يسهل الفهم. ومعنى (سبعاً) من المثاني، هو أن القرآن قد أشبع توضيح وشرح المعنى من خلال المثاني إشباعاً تاماً وافياً كاملاً كافياً.


 

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الحجر

المثاني هي الأمور التي تُثنّى (تُكرّر، تُعاد) بالقرآن في أي موضع فيه. فكل ما (تكرر) بالقرآن مرة (ثانية) أو أكثر، فهو مثاني، سواء كان التكرار في المعاني أو في أمور قرآنية يعجز الإنسان أن يحيط بها. فالقرآن إذا ذكر معنى من المعاني في آية أو آيات، فسوف نجد نفس المعنى (أو قريباً منه أو متعلّقاً به)، يُثنّى (يُعاد ويُكرّر) في آيات أخرى. فالمعنى واحد (أو يكاد)، ولكنه يُثنّى (يأتي مرة ثانية وثالثة ورابعة ...) في مواضع وأمكنة مختلفة من القرآن، وعبر ألفاظ أخرى، وأساليب وصور متنوعة، وأحداث ومواقف وأقوام ومناسبات وقرون مختلفة.

وسبب وجود (المثاني) واضح، وهو تسليط الضوء على ذلك المعنى (أو الفكرة أو الحدث)، من جهات وزوايا وأحوال ومواقف مختلفة، لأجل أن تُستوعب الفكرةُ (المعنى) استيعاباً تاماً وافياً كاملاً.

تعبير الآية (الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ)، قد يكون بمعنى (القرآن ومثانيه)، أو بمعنى عبارات مثل: (القرآن وتفسيره)، (القرآن وشروحه)، (القرآن وتفصيله)، (القرآن وتوضيحه)، ...الخ. أي أن القرآن يفسّر نفسه ويشرح نفسه ويفصّل نفسه ويوضّح نفسه. فكل آية أو آيات، هي مثناة أو مثاني لآية أخرى أو لآيات. وبعبارة أخرى:  كل آية أو آيات، تُثنّي آية أو آيات أخرى (تفسرها وتفصلها وتوضحها وتشرحها وتبينها).

 فكل الآيات هي قرآن وكل الآيات هي مثاني. وذلك لأن كل (آية أو آيات) من القرآن، لها مثاني في آيات أخرى (آيات أخرى عديدة مشابهة في اللفظ أو المعنى، في نفس السورة أو في سور أخرى، تدعم معنى الآيات الأولى وتشرحه وتوضحه). فكل آية هي قرآن وكل آية قرآنية هي مثناة لآية قرآنية أخرى. أي أن القرآن يفسر القرآن (وَالْقُرْآن يُوضِّح بعضُه بَعْضًا/تهذيب اللغة).

فالمثاني هي (كل القرآن) كما صرّحت الآية [اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ (23) الزمر]، وذلك لأن الآية في القرآن تُثنّي المعنى الذي بآية أخرى (تكرره وتعيده بألفاظ وأساليب أخرى). فيمكن أن نقول أن المثاني هي شروح القرآن وتوضيحاته، أي أن القرآن شرحه بداخله، لأن كل آية تشرح وتوضح الأخرى. فهو القرآن وهو المثاني. فالقرآن لا يحتاج كتاباً آخر يفسره ويشرحه، وذلك لأن شرحه وتفسيره موجود فيه، أو بعبارة أخرى: القرآن فيه مثانيه (فيه شرحه وتفسيره وبيانه وتوضيحه).

فكل آية أو بضع آيات بالقرآن لها آية أو آيات تشبهها إما في اللفظ أو في بعضه أو في المعنى أو في بعضه، أو أن لها آية أو آيات تتمها وتكملها، أو أن آية أو آيات تكون مقتضبة مختصرة، ثم لها آيات أخرى فيها بسط وتفصيل وتوضيح. ولن نحيط بكل ما يتعلق بكيفية شرح وتوضيح الآية لأختها لأن هذا من إعجاز القرآن العظيم، ولكن الفكرة والهدف والغرض من المثاني هو توضيح المعنى القرآني وتبيينه إلى درجة الإشباع والتمام والوفاء.

 

معنى أن المعاني تُثنّى بالآيات

تجد بالقرآن آية أو آيات تتحدث عن (معنى) وتعبر عنه بألفاظ. ثم ستجد آية أو آيات أخرى (في نفس السورة أو في غيرها)، تتحدث عن (نفس المعنى السابق) أو قريباً منه، وتعبر عنه بألفاظ مشابهة، أو بألفاظ أخرى مختلفة (كلها أو بعضها)، أو تزيد عليه.  

 

مثالان على مثاني القرآن 

معنى : اختفاء الجبال يوم القيامة

[وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه]، [وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) المزمل].

فالمعنى في آية سورة طه (عدم وجود جبال يوم القيامة)، تكرر مرة ثانية في آية سورة المزمل (ولكن بألفاظ مختلفة). فكل من الآيتين هي مثناة للأخرى، توضحها وتشرحها وتبينها.

 

معنى: اسوداد وجوه الكافرين يوم القيامة

 [وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ (106)آل عمران]، [كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا (27) يونس].

نلاحظ نفس المعنى (السواد)، عبر عنه في الآية الأخرى بأنه مثل (ليل مظلم).  


لماذا سبع مثاني؟

جذر (سبع) في اللغة العربية ليس منحصراً في المعنى الشهير (الرقم أو العدد سبعة) فقط، وإنما أيضاً يفيد معنى التمام والكمال والإيفاء والإشباع والمبالغة والكثرة والوفرة وبلوغ الغاية والحد والنهاية. فالقصد من تعبير (سبع) مثاني، هو كناية عن أن هذا القرآن فيه المثاني (كاملة وافية تامة). أو بعبارات أخرى: فيه الشرح (الوافي الكافي) والتفسير (الكامل) والإيضاح (التام) والتفصيل (الكثير البليغ الوافر).

 

 

حامد العولقي