نشوء البيان

دراسات قرآنية لغوية تاريخية آثارية

معنى اسم حاتم الطائي

الموضوع باختصار ...

حاتم لقب بمعنى أنه يُحَتِّم (يُلْزِم، يَفْرِض، يُوجِب) على نفسه البذل والعطاء والجود. فإذا سأل سائل حاتماً، فحتماً ولابد أن يعطيه حاتم. فكأن العرب أرادت بشخصية حاتم معنى أن الكريم الحقيقي إذا سألته فلن تعود من عنده فارغ اليدين، لأنه حتماً سيعطيك [هو حاتميُّ الجود ليس يرى ... إسداء نائله سوى حتم].
والطائي من أصل الطاوي (خالي البطن، الجائع). وهذا الطوى (الجوع) لابد أن يفعله الكريم الحقيقي (مثل حاتم). فالعرب كأنهم يقولون أن الكريم الحقيقي هو الذي يشعر بالجوعى والمعدمين، ولن يشعر بهم مَن لا يكون طاوي البطن (خاوي وخالي بطنه من الطعام، أي جائع). وهذا الطوى (الجوع)، هو أصل كرم حاتم الذي قال: [أبِيتُ عَلَى الطّوَى/ وإني لأختارُ القَوا طاوِيَ الحَشَا/ لقد كنتُ أطوي البطن/ أبيت هضيم الكشح منطوي الحشا من الجوع]. فكأن العرب أرادت معنى أنه لا يذكر الجوعى ولا يتألم لهم، إلا الجائع (الطاوي). ثم نُسِبَ أسطورة الكرم حاتم إلى الطوى (الجوع) الذي يتعمّده (ليشعر بالجوعى)، فأصبح اسمه الطاوي (الطائي).


 حاتم

 اسم حاتم في حقيقته (لقب) يعبّر عن صفة عظيمة فيه، وهي (حتمية) الجود والكرم. فحاتم استحق اسمه أو لقبه لأنه حتم (ألزم وكلف وفرض وأوجب وقضى وحكم) على نفسه إكرام ضيفه [اللسان: حَتَمْتُ عليك الشيءَ: أَوْجَبْتُ... الحَتْمُ: اللازم الواجب الذي لا بد من فعله]. لذلك سمّى العرب أسطورة الكرم العربي باسم (حاتم)، لأنه (لابد) أن يجود ويهب (ويجب) أن يبذل ويعطي.

  
هل عبارة حاتمي الجود نسبة لحاتم أم إلى حتمية الجود؟

أظن تعبير (حاتمي) أو (حاتمي الجود) في أصله نسبة للحتم، أي بمعنى (خالص الجود وصافيه) أو بمعنى (قاضي الجود يحكم به وينفذه ويمضيه). وهو من (تحتيم) الكريم على نفسه الجود والبذل (هو حاتميُّ الجود ليس يرى ... إسداء نائله سوى حتم). والبيت السابق لعماد الدين الأصبهاني (خريدة القصر)، ولعله أول من بيّن اشتقاق اسم حاتم. ولكن نظراً لتداخل واختلاط هذا المعنى المجرد الأصلي (الحَتْم)، مع رمز الكرم العربي المُحْدَث حاتم الطائي (الذي طغى على الأصل المجرد)، أصبح القصد من لفظة (حاتمي) أو (حاتمي الجود) هو نسبة لحاتم الطائي. فالأصل يبدو أنه كان معنى مجرداً عاماً يُطلق على كل من أمضى الكرم وقضى به وأوجبه وعزمه، ثم أصبح تجسيداً بشرياً يختص به رجل واحد فقط هو حاتم الطائي. ثم صار كل قول ومثل وشعر في حتمية الكرم يُعزى إلى ذلك التجسيد البشري الفريد (حاتم الطائي). فغلب تجسيد الفكرة الأحدث (حاتم الطائي) أصلها المجرد الأقدم (حتمية الكرم). فقد يكون أصل ظهور شخصية حاتم، أن العرب لما رأوا كل كريم ماضياً في البذل والعطاء لا يتردد ولا يتلكأ ولا يتقاعس ولا يمتنع، قالوا عنه أنه قد (حتم) بالجود أي التزمه وأوجبه وأمضاه وقضى به وحكم. ثم مع مرور الأيام جسّدوا ذلك الكرم الحتمي (الواجب اللازم الصافي) في شخصية مثالية خالصة الجود سموها حاتم الجود.

 
الطائي

 قد تلتبس كلمة يراد بها وصف حال إنسان، مع أخرى مشابهة يراد بها اسم قبيلة، ولعل هذا ما حدث مع اسم حاتم الطائي. فهذه الكلمة (الطائي) التي من معنى بلاد طي، تقترب كثيراً من كلمة (الطاوي) التي من معنى الطَّوَى (الجوع). ولعل الكلمتين (الطائي والطاوي) من أصل لغوي واحد، من معنى الخواء والعدم والخُلُوّ (أصل طيء طاوي/عمدة القاري).

فلعل اسم حاتم الطائي كان في أصله بمعنى حاتم الطاوي، أي أن حاتماً كان طَوِيّ البَطن (ضامره)، اعتاد أن يطوي بطنه (يجيع نفسه) ليشعر بالجوعى وليؤثر ضيفه وجاره. أو أن حاتماً كما وصف نفسه (أبِيتُ عَلَى الطّوَى/تاريخ دمشق)، وذلك لأنه عفيف النفس كريم المأكل.

وهذا الجذر (طوى) أو معناه (الجوع) ورد مرات عدة في كلام الطائي (حاتم) وأخباره، مثل: (قولُ حاتِمٍ الطائِيّ : وإني لأختارُ القَوا طاوِيَ الحَشَا/تاج العروس)، (لقد كنتُ أطوي البطن/دواوين الشعر العربي على مر العصور،العصر الجاهلي). ثم نُسب حاتم إلى ذلك الطوى (الجوع)، فكأن اسمه في أصله كان حاتم الطاوي، فوافقت النسبة اسم قبيلة عربية شهيرة (بلاد طي) فاختلط هذا بهذا، والله أعلم.

ملاحظة: كأن العرب رأوا أن الكريم الحقيقي، هو الذي يشعر بآلام الجوعى. ولا يشعر بآلام الجوعى في نظرهم، إلا الجائع الطاوي الذي ذاق ألم الجوع (الطوى). أو كأن الكريم الحقيقي عندهم هو الذي يؤثر غيره على نفسه فيعطيه (رغم أنه قد يكون محتاجاً كالذي يسأله أو ربما أكثر احتياجاً). فكأن حاتماً هو الفقير المحتاج الجائع الطاوي، ولكنه مع ذلك لشدة كرمه وغنى نفسه، يغدق ويعطي كأن عنده الكثير. وهذه المعاني أشار إليها القرآن [ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) البلد/ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) الضحى/ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) الإنسان/ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ (177) البقرة/ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92) آل عمران].

 
أبو سفَّانَة

 يكنى حاتم بأبي سفّانة، وسفَّانَة ابنته حسب الروايات. ولكن قد تكون كنية (أبي سفّانة) من مثل تسمية المضيف [(أبي المثوى)، (أبي الأضياف)]، ومثل كنية إبراهيم عليه السلام [أبو الضيفان]. وقد لا يكون من السهولة معرفة سبب تكنية حاتم بأبي سفّانة، وساقتصر هنا على احتمال. لو تذكرنا أن السفّانة اللُّؤْلُؤَة وأن اللافظة البحر، ثم قرنا بين المثل [أَجْودُ من أَبي سفانَة] وبين المثل [أجود من لافظة]، لوجدنا أن أبا سفّانة هو البحر. فلعل حاتماً لفرط جوده شُبّه بالبحر (مصدر اللُّؤْلُؤ والجواهر).  

 

ابن غنية

 قيل (غنيّة) اسم أم حاتم. واسم (ابن غنيّة) يبدو كنية أخرى لحاتم لأن جوده يفيض ويتدفق (غنياً عن نفس غنيّة). فحاتم دوماً (غني) فيّاض في بذله وجوده فلا يسأله أحد إلا أعطاه. فكأن خزينة حاتم لا تنفد فهي أبداً ملئى غنية أو أن نفس حاتم غنية بصفات الكرم والعفة والشرف والعزة والشهامة، وله أقوال في غنى النفس وعفتها.  

 
ابن بنت عفيف

 اسم أم حاتم هو (غنية بنت عفيف)، وأحسب الرواة ابتدعوا اسمها متأثرين بالآية الكريمة [يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ (البقرة : 273)]. فالغنى (في النفس) أصله من التعفف، و(غنية) أم حاتم أصلها من عفيف (والدها التعفف وأصلها عفيف). ويبدو أن اللقب (ابن بنت عفيف) هو كنية أخرى لحاتم لعفته (وإني لعَفُّ الفَقْرِ/الأغاني)، (عَفَّ الخليقة/ديوان حاتم)، (قنيت حيائي عِفّة/ديوان حاتم)، (قال حاتم الطائي:.. كريمٌ غناها مستعف فقيرها/التذكرة السعدية). والكرم أخو العفة ولا يكادان يتمايزان أو ينفصلان. فالكريم عفيف النفس والعفيف كريم النفس. فحاتم يعف نفسه ويكرمها عن مشاركة ضيوفه الطعام رغم جوعه الشديد. ويعف نفسه ويكرمها أن يأكل وحده. ويعف نفسه ويكرمها أن تمس يده يد ضيفه أثناء الأكل. ويعف حاتم نفسه ويكرمها عن عرض جاره. ويعف نفسه ويكرمها عن شاتمه. ويعف نفسه ويكرمها عن أن يقتص من امرأة أهانته. ويعف نفسه ويكرمها عن الفجور والخمر، ويعف نفسه عن ستر قدوره. وقصص عفته عديدة، وكلها تقريباً تدل على عفة وغنى نفس (ابن غنية بنت عفيف). وإذن فهو حقاً ابن غنية بنت عفيف. وكأن (ابن غنية) يعني أن حاتماً (ابن نفس غنية)، ثم أن هذه النفس الغنية هي (بنت أصل ومعدن عفيف).


  
حامد العولقي


حاتم الطائي 

نسخة pdf أكثر تفصيلاً لمعنى اسم حاتم الطائي